أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..
إصداراتي
الصداقة والصديق
2018-09-27
حديثنا اليوم «حديثٌ ذو شجون»، أتحدث فيه عن تلك العلاقة التي تجتمع عليها القلوب المحبة الصادقة لتكون ملاذاً لنا من تعب الحياة وسنداً عند عثراتها.
الصداقة..
سمعنا ورأينا وتكلمنا كثيراً عن هذه العلاقة المقدسة. قرأنا عنها وعشناها، صدمنا بكثير من أصدقاء الزيف، وهانت علينا مصائب الدنيا بوجود أنقياء المشاعر. هنا نتأمل في مفهوم الصداقة بين الأمس واليوم، هل هي باقية على العهد والوعد الوفي، أم أن الصديق وقت الضيق تحول إلى «ضيق» خانق يسد علينا منافذ هواء الثقة بمفهوم الصداقة الذي اعتدنا عليه؟
مصطلح «صداقة» مشتق من الصدق، وبناءً عليك فالعلاقة الاجتماعية التي تربط بين شخصين أو مجموعة أشخاص يجب أن تبنى على الصدق والوضوح والصدقية والثقة والشفافية والحب والإيثار لكي تستحق أن نطلق عليها مصطلح «صداقة».
تقديسنا لهذا المفهوم الجميل بدأ من تلك القصص التي قرأناها عن علاقات كان الإثار والوفاء هما الأسس المتينة التي قامت عليها صداقة «ما»، ومن خلالها أصبحت هناك بنية تحتية قوية لمشاعر ثابتة وإخلاص لا يتصدع أمام ماديات الحياة ومغرياتها. البذل والعطاء ليس بالكلام أو الاستعراض وحفلات وهدايا يُتباهى بها أمام العامة، إنما هي أفعال ومواقف تُحفر على «ألواح السنين» لتبقى شاهداً على إخلاص الأصدقاء ووفائهم.
هذا لا يعني أن تقديم الهدايا ليس مصدر سعادة للشخص الذي يقدمها نفسه أولا، قبل أن يكون لصديقه، ولكن أجمل الهدايا وأقيمها على الإطلاق تلك التي تقدم إلينا لشخصنا حباً من دون استعراض أو مَن، تلك التي بذل الشخص جهدا لتعجبنا وتكون على ذوقنا، وحبذا لو صنعها بنفسه، عندها لا تقدر بقيمة مادية، لأن تجسد اهتماما صادقا بنا، واستعدادا للتضحية بالوقت والجهد من أجلنا.
من ليس عنده صديق، يواجه عاصفة من الاتهامات بأنه غير اجتماعي ومنعزل وأنه يفتقد إلى الشخصية الجذابة، الأمر الذي يزيده رغبة في العزلة والبعد عن الناس، ولكن قبل أن نلقي الاتهام؛ هل سألنا أنفسنا هل هو وجد الصديق الحقيقي في هذا الزمان؟!
الغريب أن الإنسان يمكن أن يحب حتى لو عانق عمره الـ90 عاما، لكن العثور على الصديق الحق، يحتاج إلى فترة طويلة، ومواقف كثيرة استمرت سنوات، وشهدت نقاشات وخلافات ومراحل مختلفة من العمر، كي تثبت هذه العلاقة أنها جديرة بأن يطلق عليها «صداقة».
منذ ظهرت مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، أصبح الصديق يطلق على كل من تتعرف عليه في هذا العالم وتقبل «طلب صداقته»، ما جعل هذه العلاقة تعاني من هلامية المعنى وعدم وضوح معالمها وجوهرها. في الإنترنت يصبح الإنسان مضطرا للاحتكاك بأشخاص، يتجنب العلاقة معهم في العالم الواقعي، ومع ذلك فالصديق الحقيقي قادر على خرق الحجب ونسف المشاعر المزيفة التي تظهر على السطح الواقع أو الافتراض، ليعرف بدقة ما بك، ويقدر أن يخفف عنك، ولو تحدثنا على الفرق في مفهوم الصداقة بين الرجل والمرأة لوجدنا أن الحديث عن وضع الصداقة عند الرجال أمر ممل وغير ضروري، يكفي عندهم ألا يشتكي الصديق من شيء، ليعتبر الآخر أن الأمور على ما يرام، أما النساء فيبدين اهتماما كبيرا بتقويم الصداقة من وقت لآخر، ويتحدثن عنها كل فترة، ولا يكفيهن بأن تستمر فحسب، بل يردنها قوية متينة.
وأسهل الطرق لتصلح علاقتك بمن حولك أن تكون صادقا معهم، وأن تقول الحقيقة كما هي، فمهما كانت مؤلمة فإنها تعني أنك تستحق أن يغفر الآخرون لك، ولا بد أن نعرف أن الأحكام المسبقة عن الآخرين تضيع علينا الكثير من الفرص، فغالبية من نحكم عليهم بطريقة سلبية، ليسوا كذلك، ولو عرفنا جوهرهم لاكتشفنا أنهم أشخاص رائعون والعكس صحيح.
الصديق الذي لا يتوقف أبدا عن الشكوى، ليس له علاج سوى أن تبتعد عنه، فهو لن يتغير، وسيملأ حياتك كآبة ونكد، وفي المقابل هناك كثير من الناس لا يحبون المواجهة مع الأصدقاء، ويفضلون أن يختفوا في صمت، لكن ذلك لا يعني أن جراحهم ستندمل، وزوال الألم لا يتم إلا بالبوح به، وسؤال الصديق عن السبب في قيامه بذلك، والبعض يجبن عن المواجهة مع الصديق، ويواصل العلاقة على مضض، حتى لا يضطر لتوضيح أنه مستاء من تصرف معين.
المهم.. أن رعاية الصداقة تحتاج إلى وقت وجهد، لكنها تستحق ذلك. فالصديق «توأم الروح» الذي لا تستقيم حياتنا بدونه.