أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..
إصداراتي
عزلة
2018-06-25
أثناء جولتي اليومية عبر صفحات الصحف ومواقع التواصل، وعند وقوفي على أخبار «مؤتمر القدس»، لفت نظري وضع مندوب قطر، بعزلته التي فرضتها عليه سياسة بلاده المتهورة، فجعلته غريباً صغيراً بين القادة.
وضعه الغريب جعلني أفكر بعمق في مفهوم «العزلة» بكل أنواعها، هل هي قدر أم اختيار؟ وهل هي بمجملها سلبية أم أن بعضها ناله من الإيجابية جانب؟ وهل هي محدودة أم أنها قد تتخطى حاجز الفردية إلى العموم؟
لا شك أن العزلة اختيار مبني على مسببات سياسية أو اجتماعية أو مرضية، والأكيد أن الإجبار فيها لا يقوم إلا على أساس واع أو لاواع من أفكار ومواقف الفرد أو الجماعة أو المجتمعات، فنحن من نتوارى باختيارنا خلف أسوار العزلة، أو نحن أيضاً من نسمح للآخرين أن يحبسونا خلف قضبانها.
وهنا يفرض السؤال الآخر نفسه، هل هي بمجملها سلبية أم أن لها نوافذ ضيقة نتنفس من خلالها هواء الإيجابية؟ نوع العزلة هو من يحدد إيجابيتها من سلبيتها، فلو تكلمنا بشكل سريع عن بعض أنواعها لربما فهمنا فلسفتها.
أخطر أنواعها، العزلة السياسية التي تفرضها سياسات دول برؤى سياسية غير ناضجة وتوجهات سياسية متهورة مبنية على محدودية تفكير قيادي لا يقدر حجم الكارثة التي تخطو الدولة إليها، فتجني على نفسها وشعبها، وما يحدث في قطر مثال حي على هذا النوع من العزلة، التي فرضتها قطر على نفسها واتهمت بها دولا بريئة من دم كرامتها المراقة بين الشعوب، ماذا كان سيضر قطر لو تراجعت عن كبريائها الكاذب واعترفت بخطئها وتخلت عن محركي الشر، ومستشاري الفتن لتعود لأسرتها الخليجية معززة مكرمة مرحبا بها، بدل أن تظهر أمام العالم أجمع بمندوب بائس معزول عن الآخرين وجوده مثل عدمه، في قمة بهذه الأهمية.
بعد العزلة السياسية تأتي العزلة الاجتماعية في المرتبة الثانية خطورة، فالمجتمعات المغلقة، التي تعيش داخل أسوار قناعات ومعتقدات وأفكار متوارثة عششت داخل عقول أفرادها، تبني بينها وبين التطور عقبات صلبة وجبالا من مقاومة لكل تغير إيجابي يعمل على تحديث العقول وتجديد أفكارها مما ينمي ذكاءها السياسي والاجتماعي، فيقفز بها لأعلى سلم الإبداع والتميز، لتصنف بجدارة من مجتمعات العالم المتقدم، الذي ينعم به الفرد والجماعة بما يليق به بوصفه إنسانا، وبالتالي يرتقي هو بمجتمعه ووطنه ليكون ذا قوة لا يستهان بها في خريطة العالم، بشرط الاحتفاظ بالقيم الشرعية والهوية المجتمعية والبصمة الوراثية لخصوصية المجتمع، وهذا ما فطنت إليه قيادتنا الحكيمة في ظل المتغيرات العالمية، ولمست حاجتنا إليه بعد عقود من زمن حبسنا أفكارنا فيها جزئياً وليس كلياً داخل أسوار ضيقة من فكر صلب المعتقد لا يقبل المرونة في تقبل الرأي الآخر، ما أخرنا قليلا عن اللحاق بركب التغير العالمي الشامل، ولكن ها نحن ذا ادركنا ذلك في الوقت المناسب، وكل ما علينا الآن أن نعمل يداً بيد، حكومة وشعبا، لتبقى السعودية بحكامها وشعبها فوق هام السحب.
نوع العزلة الثالث هو العزلة الفردية، وهو النوع الأقل ضررا، وهذا النوع غالبا ما يكون نتيجة مرض أو ظروف نفسية عابرة أو مزمنة، علاجه بأمر الله متوافر في العيادات النفسية أو الطبية. إذن، هل هناك عزلة إيجابية؟
الإجابة الغريبة نعم! عندما تكون العزلة عزلة موقتة مشتهاة واختيارا صائبا نعزل أنفسنا فيه عن كل مصدر للضغط النفسي والعملي والبدني، فنعيش وحدة محببة، نلملم بها ما تبعثر من صفاء داخل أنفسنا، ونجمع نفايات ضغوط الحياة في أكياس تقبل أو نسيان أو حلول واسعة، ثم نلقي به خارج حدود أرواحنا التي تنفست بعد اختناق، لنعود للحياة وصخبها أقوى، وأوعى، وأكثر نفع لأنفسنا ومجتمعاتنا وأوطاننا.