• اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية

    يارب .. وحدك القادر على كشف الضر عنا وعن بلادنا.. وعن كل بقعة في ارضك تضررت بفيروس كورونا

  • الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه..
    بعد ٣ أسابيع قضيتها في أحد مراكز الحجر الصحي التابع لوزارة الصحة ..

أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..

فكر دراسي

2017-10-04

فكر دراسي

مع بداية العام الدراسي الجديد، يحسن بنا تأمل حال تعليمنا في شكل عام، والمدرسة في شكل خاص، نقترب منهما قليلاً، ونتحدث عنهما بحب وحرص، أملاً بأن يكونا دائماً الأفضل، لأن أولادنا يقضون في المدرسة وقتاً ليس بالسهل، ويتأثرون بها، ما يجعلنا نضعها تحت المجهر ونتفحص جزئياتها.

مما لا شك فيه أن المدرسة كانت، إلى وقت قريب مضى، مصدر التعلم الأول، من خلالها نتعرف على الجديد ونصافح الدهشة في تلقي العلم والمعلومة والتواصل الاجتماعي الأول خارج إطار العائلة، ففيها نلتقي الأصدقاء ونتعارف لتتوسع مداركنا، لكنها الآن ومع تطور التقنيات وذوبان الأسوار، أصبحت متأخرة كثيراً عن صناعة شيء جاذب، ودائماً تأتي متأخرة في المعرفة، ما جعلها منشأة تعليمية روتينية جامدة مملة، إذ فشلت المناهج ومعلموها في منافسة كل للآخر، ولولا الحصول على الشهادة لما وجدنا أحداً يتعلم أو يهتم بدراسته في المدرسة.

من الملاحظ ألّا جديد ولا تطوير في شكل يومنا الدراسي، إذ إنه هو هو منذ عقود من الزمن، فما زال التطوير في الهوامش وفي الشيء القليل، من دون تغيير البنية التعليمية من الأساس.. الحصص وتوزيعها والمناهج والاختبارات وطريقة الشرح، كلها تحاكي القديم مع بصمات مختلفة بعض الشيء من بعض المعلمين.

نحن نحتاج إلى أن نهدم مدارسنا من الداخل وننشئ واقعاً تعليمياً جديداً يكون الطالب فيه مشاركاً في التعلم والتعليم وليس مجرد متلق فقط، نحن في حاجة إلى أن ننتهي من شكل المواد الدراسية ومفرداتها، فما فيها من معلومات يستطيع الطالب الحصول عليه من دون الحاجة إلى مدرسة.

نحن في حاجة إلى أن نطلق العنان للمعلم ليبدع ويخترع ويصنع المفاجأة من دون تأطيره في إطارات ضيقة تجبره على تقديم مادة مملة وقديمة ولا تروي شغف أحد، نريد له التقدير والحافز المعنوي والمادي، ونخلق له فرصاً ليتطور أداؤه وينشط في اللحاق بالجديد والمثير علماً وعملاً.

طلابنا ليسوا في حاجة إلى تلقين المعلومة، هم في حاجة إلى اكتشافها والبحث عنها، ثم تحليلها والحوار في شأنها، ثم تقويمها والحكم عليها.. نحتاج إلى أن يتعلم طلابنا لغة الحوار مع الآخر، ليتعلموا كيف يفكرون وكيف يتأكدون من صدق المعلومة؟ نرغب ونحتاج إلى حفز روح استكشافية نقدية تكفل لهم عدم الانجراف خلف أفكار وتيارات لا تمت إلى مجتمعنا بصلة. نحتاج إلى أن يترتب طلابنا فكرياً ويتحصنوا نفسياً ليتمكنوا من التعامل مع المؤثرات في شكل إيجابي، بمعرفتهم مفاهيم كبرى في حياتهم، كالوطنية مثلاً، وفق حب ودافعية وليس تقليداً بقالب جامد.

نحن لا نريد أن نختزل تعليمنا في حصص واختبارات، بل نريد مشاريع بحث وفكر تجعل من طلابنا خلايا نحل يتنقلون هنا وهناك بحثاً عن معلومة وتأكيداً لنظرية وإقرار فرضية للحياة والتعايش معها.

لا نريد مدرسة خلف سور، بل نريد تعزيز المدارس الافتراضية، التي لا تلزمنا بمكان وتشغيل وصيانة وموارد بشرية واعتمادات مالية باهضة، بل تتعداه إلى خلق فضاءات أكثر اتساعاً للتعليم والتعلم، بحيث لا نرهق الطالب بوقت محدد ومكان محدد، بل نجعله يصنع عالمه بنفسه، ويتشارك فيه مع أقرانه، وتكون الجهات المعنية مراقبة له، ومحددة لإطارات تعليمية لا بد له من طرقها ومعرفتها.

ليس من المهم أن يعرف ابني حدود وتضاريس دولة ما، ولكن يهمني أن يفهم ماذا تعني الحدود؟ وماذا تفعل التضاريس في ملامح الدولة؟ لايهمني معرفته للحدث التاريخي، بقدر ما يهمني أن يعرف كيف حدث هذا الحدث؟ وماذا غير وبدل في المشهد حوالينا؟

أريد لابني أن يعرف كيف يكتب خطاباً بلغة سليمة وأسلوب مختصر مفيد، ويعرف كيف يكتب سيرته ويتحدث عن نفسه، ويعرف كيف يتحدث مع الآخرين برقي، وكيف يزور المكتبة ويبحث في «إنترنت» عن معلومة ويتأكد منها من دون الاعتماد على القص واللزق فقط.. أريده أن يتعلم لغات أخرى بمهارة، لأن من تعلم لغة قوم أمن شرهم.. وأيضاً انتفع منهم، ما يساعده في اكتشاف الجديد وتبادل الخبرات

وزارتنا، وهي تشرف على تعليمنا، نشعر بأنها عاجزة ومتخبطة أحياناً، ونشعر بفجوة بينها وبين الميدان، وكأنها والوسط التعليمي ليسوا في مركب واحد. لذا، أصبح من الأجدى خصخصة الوزارة وتحويلها إلى هيئة إشرافية، وتحويل إدارات التعليم إلى شركات تعليمية ذات استقلالية تامة، بحيث تتحول هذه الشركات إلى كيانات تعليمية صغيرة من خلال المدارس، لنستطيع تحريكها بسهولة من دون الخوض في حسابات معقدة، ومن دون الحاجة إلى موافقات جهات متعددة ليس لها علاقة بالتعليم.

خصخصة التعليم مطلب مهم لا بد أن تحرص عليه رؤية 2030 لأن فيه الحل لكل اختلافاتنا التعليمية، وعجزنا عن اتخاذ الحلول رغم معرفتنا لها.

الحديث عن التعليم لا ينتهي، لكن لا بد لنا من مبادرات جادة وكبيرة في إنهاء حقبة من تعليمنا بكل أشكالها، وخلق واقع تعليمي جديد قادر على استيعاب المتغيرات، والتعامل مع المؤثرات، والحفاظ على الثوابت، وفق آليات حديثة وجاذبة ومقنعة وخلاقة لأبنائنا الطلاب ومعلمينا الأفاضل.


المقال على موقع صحيفة الحياة