أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..
إصداراتي
أبناؤنا والمال
2017-09-06
يتهم البعض من المتخصصين أولياء الأمور بأنهم السبب في جهل المجتمعات بالتعامل مع الأمور المالية، وقالوا أيضاً إن المدارس والجامعات لا تعتبر القضايا المالية ضمن مهماتها التربوية، والأسوأ من ذلك أن الآباء والأمهات يفعلون الشيء نفسه، ولكي يدللوا على ذلك، سألوا أولياء الأمور: هل أوضحتم لأولادكم الفرق بين الحساب الجاري والحساب الادخاري؟ هل شرحتم لهم كيفية تمويل البيت الذي يسكنون فيه؟ هل ذكرتم لهم كيفية شراء جوال جديد من دون اقتراض؟
يرى الخبراء أن قضايا المال من أكثر الأمور حساسية لدى الكثيرين من أولياء الأمور، فلا يوضح الوالدان كيفية عمل موازنة الأسرة، وكيفية توزيع الدخل على النفقات الثابتة، والأقساط المخصصة للادخار لتمويل الأهداف القصيرة والمتوسطة وطويلة الأجل، من موازنة السفر في العطلة، إلى شراء سيارة جديدة، إلى الأموال المخصصة لفترة ما بعد التقاعد.
ومن الواضح أن بعض هذه الأمور ستمثل صعوبة على الفهم بالنسبة إلى الأولاد الصغار، ولكن استبدال هذه الأهداف بأمور تمس حياة الطفل والمراهق، سيجعل الأمر مبسطاً، مثل شراء أمر محبب للنفس، - والذي ليس من الضرورة أن يكون حلوى أو لعبة كومبيوتر جديدة - كأن يتعلق الأمر بقصة شيقة، أو دراجة هوائية، أو السفر إلى الخارج مع الأصدقاء في معسكر صيفي لتعلم لغة أجنبية، أو لتحسين مستواه في الرياضة التي يحبها، الأمر الذي يتطلب التوفير لمدة عام أو عامين على الأقل.
ويشدد الخبراء على أهمية أن يدرك الأطفال أن المقصود من الادخار، ليس هو حرمان النفس من كل شيء، وتركيز التفكير على المستقبل البعيد فقط، بل عمل توازن بين مختلف الأهداف، لأن تحقيق الأهداف القصيرة، يعلّم الطفل سياسة النفس الطويل، فيدرك أن ادخاره عشرة ريالات كل أسبوع، من مصروفه اليومي، يجعله قادراً خلال عامين فقط، أن يمتلك حوالى عشرة آلاف ريال.
ومن أهم الدروس التي يجب أن يتعلمها الطفل والمراهق من البداية، ألا تزيد نفقاته على ما يحصل عليه من مصروف، وألا يستدين أبداً، وهنا أيضاً يجب أن يكون الوالدان مثلاً أعلى في ذلك، ومهما كانت تسهيلات البنوك، ومهما كانت إغراءات شركات السياحة، وعروض شراء السيارات، فإن الأصل ألا تكون أحلام الشخص أكبر من إمكاناته، والرحلة التي لم تقم بها هذا العام، يمكنك القيام بها بعد عام أو اثنين، والسيارة التي أردت اقتناءها اليوم، ستصبح بعد عام واحد من الاستعمال أقل سعراً بمعدل الربع تقريباً، وعندها تكون ملكك فعلاً، لا أن تستخدمها وهي مازالت ملكاً لمن منحك القرض.
إذا سمع الطفل أو المراهق والديه وهما يشكوان طوال الوقت من الديون والأقساط، فإنه قد يعتبر ذلك أمراً طبيعياً، مع أن المشكلة ليست قلة المال أبداً، بل في إنفاق الشخص ما لا يملك، وهذا ما لا ينبغي أن يصبح نمط حياة الأبناء، ومن دخل في دوامة الديون يعرف تماماً، أنها ليست الحياة المثلى، التي يتمناها لأولاده من بعده.
وكما نعرف أن الإنسان الغربي لا يحصل على دخل أكبر من نظيره في دول الخليج العربي، لكنه في أغلب الأحيان يفكر في كل مرة، في ما إذا كان أي يورو سينفقه في مكانه أم لا، ولا يعتبرون ذلك من قبيل البخل، بل من حسن التدبير.
كل ذلك يتعلمه الأبناء من والديهم، أو لا يتعلمونه إن هم أهملوا ذلك، ومن يرد أن يغيّر السلوك الاستهلاكي للمجتمعات، لا ينبغي أن ينتظر حتى تترسخ العادات السيئة لدى أطفاله في صغرهم، ثم يحاول تغييرها، بعد كبرهم، لأن ذلك سيجعل من الأمر أكثر صعوبة.
أولياء الأمور الذين يتحرجون مع الحديث مع أطفالهم عن أشياء كثيرة، - من بينها المال-، ينسون أنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فإن أطفالهم سيجدون أشخاصاً آخرين، يقومون بهذا الدور، فهل تصدق أن يكون غيرك أكثر حرصاً على أطفالك منك؟ وكيف تحاسب أطفالك على سوء التعامل مع المال، إذا لم تكن علمتهم الصواب من قبل؟
ومع تطور مجتمعنا وانطلاق الرؤى التحديثية فيه، لا بد لنا من إشراك أبنائنا في القضايا المالية، وتحملهم العبء والمشاركة في النفقات والمصروفات، ومن الخطأ أن يصل الابن إلى عمر الـ 18 بل والـ21 ولا يزال يأخذ مصروفه من والديه، ولا يستطيع إيجاد دخل له ولو بسيط يوازي نفقاته أو يخفف منها على والديه.. لا بد أن يتكاتف المجتمع مع الحكومة في صناعة جيل يهتم بالمال جلباً وإنفاقاً، وفق منظومة اقتصادية واجتماعية ذات فاعلية ونتاج أجمل.