• اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية

    يارب .. وحدك القادر على كشف الضر عنا وعن بلادنا.. وعن كل بقعة في ارضك تضررت بفيروس كورونا

  • الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه..
    بعد ٣ أسابيع قضيتها في أحد مراكز الحجر الصحي التابع لوزارة الصحة ..

أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..

ألغوا الامتحانات

2017-07-26

ألغوا الامتحانات

غداً ستخرج نتائج قبول طلبة الثانوية العامة في جامعاتنا، وهذه النتائج ستحدث فرقاً واضحاً في البيوت، إما سعادة غامرة أو تعاسة منتظرة، أو بينهما فرح لم يكتمل، بسبب قبول في تخصص لا يريده الطالب.

ما تزال آلية قبول الطلبة بالجامعات مزعجة، ولا تنصف الكل، فليس هناك إلا درجات للطالب فقط، لا نعرف كيف حصل عليها، ولا نعرف هل أنصفت تقيم قدراته أم ظلمتها؟

فطالب الثانوية في أتون اختبارات لا ينتهي لأجل أن يحصل على درجة تشفع له في القبول من دون النظر لمهاراته وقدراته الحسية التي لا يمكن أبداً أن تُعرف من خلال ورق!

كلنا كتب في كراسة الخط وهو صغير عبارة: «عند الامتحان يكرم المرء أو يهان»! وترسبت في عقولنا الصغيرة، حقيقة أن كرامتنا معيارها مرتبط بامتحان ودرجات، فيه عزّها أو هوانها، فهل يعقل أن يمرر علينا هذا المفهوم وبيننا مختصون في علم النفس والاجتماع، وفي حياتنا حقوق إنسان، ومواثيق عالمية تحفظ الكرامة والذات الإنسانية؟

لذا حق لي أن أتساءل؛ هل سيأتي يوم ونستيقظ، ولا نجد امتحانات مدرسية مزعجة وظالمة لطلابنا وطالباتنا؟ ليس معقولاً أن الأنظمة التعليمية عندنا عجزت عن القضاء على الاختبارات كحل وحيد ومرضٍ للجامعات، ولو بقنبلة نووية.

ما تفعله الامتحانات بنا منذ سنين طويلة، لا يجب السكوت عليه كثيراً! هناك محاولات كثيرة في تعليم دول متقدمة بالقضاء على الامتحانات كأيام مستقلة وكسيف مسلط يحيي ويميت روح طلابنا بدرجة، وعلى رغم جدية هذه المحاولات وتجددها، إلا أنها لم تعرف الطريق إلينا لنجرب فاعلية تطبيقها المباشر لنقرر هل نخوض غمارها أم نتجادل اعتمادها.

ما يزعج في تعليمنا، أن لا شهادة تعليمية بلا امتحان! ولا وظيفة بلا امتحان! وكأن لا حياة لنا إلا من خلال امتحان!

للأسف كل تعاملنا مع الامتحانات وتطويرها مجرد شكلي ومرحلي فقط، من خلال تغيير توزيع درجات أو إعادة تنظيم أيامها وطرائقها، وهذا كله لا يمنحنا القضاء عليها، ولا يسمح بالعلاج منها وتجاوز آثارها ومشاكلها.

الغريب، أنه حتى عندما تقرر تقديم بدائل عن الامتحانات، كالتقويم المستمر لطلبة المرحلة الابتدائية، قدم بطرق مشوهة، وكانت المخرجات أسوأ، بل وتنادى الكل أن نعود للنظام القديم، تلك الامتحانات المرهقة، لأنها من تضمن لنا عبور الناجح من الراسب، وكأنها الحكم العدل! لست ضد الامتحانات والدرجات كممارسة وكطريقة تقويم، لكن ضدها في نظامها وجبروتها وتفردها بالحكم الديكتاتوري، في الحكم المطلق على طلابنا! فليس من العدل، مجهود عام كامل نضعه تحت رحمة ورقة إجابة، وتحت سلطة أسئلة لا يهمها هل الطالب فهم مادته أم لم يفهمها! هناك خلل عندنا في بنيوية الامتحان، فرعب الوقت وطلاسم الأسئلة، وتعنت المصحح ورهبة القاعة، كلها تجتمع لتجعل الطالب يعيش رعباً لا داعي له، ولا يمت للعملية التعليمية التربوية بصلة. أصبحت دراستنا لأجل الامتحان، وأصبحنا نهتم فقط بما سيأتي في الاختبار، وما عداه لا يهم!

وأصبح المعلم الذي لا يختصر من مادته، ولا يحدد بعض السطور والصفحات، هو الذي يضر الطالب ولا ينفعه! المشكلة، أن الامتحان تعدى فساده المدرسة، ليشمل أشياء كثيرة حواليه. فالبيوت تعيش رعباً وخوفاً على أبنائها بعد الخروج من المدرسة أيام الامتحانات، وما يحدث من تجاوزات، وتنفيس لما حدث في الاختبار، كأسلوب مراهقة نندم عليه. وفيها نخاف على أبنائنا من إدمان الحبوب، بحجة الحفظ والجلد والسهر، وما يجعلهم يدخلون الامتحان بكل نشاط كاذب.

وللدروس الخصوصية دور في هدم قيم تعليمية، وتفعيل هدر اقتصادي يكاد يثقل كاهل الأسر.

المعرفة حق مشاع، لا يجب حصره في سؤال وجواب ودرجة، بل تتعداه لآفاق أرحب وأوسع عرضاً وإبداعاً. كلنا يذكر قبل سنوات، حين تم إلغاء الثانوية العامة واختبارها الموحد، واستبشرنا خيراً أن سيتبع ذلك قرارات أشد صرامة ضد الامتحانات وعوالمها، ولكن للأسف وجدنا سيلاً من الامتحانات بصيغ أخرى تقر: كاختبارات قياس، واختبارات قدرات، واختبارات حسن، واختبارات شاملة، وما أكثر المسميات وأكثر وجعها وعذابها على طلابنا!

ما أتمناه، أن نصحو يوماً على قرار وزاري بإلغاء الاختبارات، كفترة دراسية موحدة، وإلغاء ربط نجاح ومستقبل طالب بورقة إجابة.

وما تتطلبه المرحلة القادمة استناداً إلى أهداف وطني المخطط لها أن نُسخر كل ما يلزم لبناء جيل قادم بوعي وثقافة مختلفة، تعتمد على تشغيل العقول لتصبح ذات فعالية مفكرة مبتكرة منتجة أكثر من كونها متلقية حافظة لما يملأ بها.. فهل يفعلها وزير تعليمنا، ويجعلنا نصل إلى ٢٠٣٠ ونحن بلا امتحانات مزعجة.


المقال على موقع صحيفة الحياة