• اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية

    يارب .. وحدك القادر على كشف الضر عنا وعن بلادنا.. وعن كل بقعة في ارضك تضررت بفيروس كورونا

  • الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه..
    بعد ٣ أسابيع قضيتها في أحد مراكز الحجر الصحي التابع لوزارة الصحة ..

أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..

عائلة افتراضية

2017-07-19

عائلة افتراضية

ينتقد كثير من العلماء والمختصين معاملة الوالدين لأطفالهما، كما لو كانوا أشخاصاً ناضجين، بزعم إعطائهم الحرية لتنمية ذواتهم من دون أي قيود خارجية، واكتفاء الوالدين بدور الرفيق والصديق، بدلاً من المرشد والمربي.

ولكن أثبتت التجارب على أرض الواقع أن النضج النفسي والاجتماعي للطفل لا يتحقق إلا من خلال وجود علاقة تتمثل بالقدوة الأبوية وارتباط قوي بالوالدين، يتعلم من خلالها الطفل الكثير، وتجعله يتمتع بالتوازن النفسي، وترشده إلى الطريق الصحيح، وهي عملية نفسية لا تتحقق من خلال الفهم، بل من خلال المعايشة، لكن المشكلة أن الكثير من الأهل يعتقدون أن الأفضل أن يعاملوا أطفالهم باعتبارهم شركاء مساوين لهم، وأن رأيهم يجب أن يكون نابعاً منهم وله وزن رأي الوالدين نفسه، وهذا خطأ لأنه يفرض على الطفل ما يفوق إمكاناته العمرية البسيطة، مما يجعله يفتقد الخبرة الحياتية، كما أنه لا يستند إلى ركائز معينة، يبني عليها القرار الذي ينتظره منه الوالدان.

من أهم الأسباب لهذا التحول في التربية، شيوع المعرفة من خلال الإنترنت، وبالتالي يعتقد الأهل والأطفال والشباب أنهم متساوون في المعرفة، وأنهم يستطيعون الحصول على القدر نفسه من المعلومات من خلال البحث في الإنترنت، كما أن فيضان الأخبار الذي يحيط بالإنسان حالياً، يجعله عاجزاً عن التعامل معها، الأمر الذي يتسبب في الاضطراب النفسي، والشعور بعدم القدرة على القيام بأي شيء، فيميل الوالدان إلى أن يضعا للطفل بدائل وخيارات عدة، ليختار منها ما يشاء، بدلاً من أن يقوما هما بعملية الاختيار.

وحتى الكبار أصبحوا يعيشون اللحظة فقط، ولا يمتلكون النضج النفسي الكافي للتربية، فيعجزون عن التوصل إلى قرار صحيح، وبالتالي لا يملكون القدرة على تعليم الطفل كيفية الربط بين الأحداث الحالية مع الأحداث الماضية، وما يتوقع حدوثه في المستقبل، ويرى البعض أن كل المجتمعات التي تدمن الإنترنت، تعيش اللحظة الحالية فقط، وهو ما ينعكس على خياراتها ومختلف جوانب حياتها، لافتقاد أفرادها النضج النفسي، وهو الأمر الذي يجب أن تسعى المؤسسات التربوية بالتعاون مع أولياء الأمور إلى تصحيحه.

ولا بد أن نعرف أن الصبي البالغ من العمر 12 عاماً، يتبنى أفكار والديه كما هي، ولا يبدأ في الاستقلال برأيه قبل سن 14 أو 15 عاماً تقريباً، وحذّر كثير من المختصين بعلم النفس والمراهقة أولياء الأمور من الاكتفاء بالتشجيع والإعجاب بكل ما يفعله الطفل أو الشاب، وكأنهم لا يقعون في أخطاء أبداً، ولا يحتاجون إلى تحمل عواقب أخطائهم، لأن الأطفال في حاجة إلى مساعدة الوالدين، مهما كانت معدلات ذكائهم مرتفعة، ولأن القضية تتعلق بنقل خبرات الحياة وطريقة التعامل مع مشكلاتها وكيفية التأقلم مع المجتمع المحيط، بكل ما يسود فيه من مفاهيم وقيم وعادات وتقاليد وثقافة، وهي أمور لا يمكن اكتسابها من الكومبيوتر. كل المطلوب هو أن يكون هناك مزج متوازن بين مدارس التربية قبل وبعد، تعيد للوالدين هيبتهما في الكيان الأسري للقيام بدورهما الأساسي في التربية، مع اعتماد أسلوب التربية الحديثة في التقرب من الأبناء ومصادقتهم، من دون نسف الحواجز والاعتبارات المبنية على المثل والأخلاق، كي لا تتحول الأسرة إلى مجموعة شركاء متساوين، ليس بينهم كبير أو راعٍ، يتخذ قراراً ويتحمل المسؤولية عن رعيته.

جميل أن يتخذ الطفل قراره بنفسه ويتحمل عواقبه، لكن ليس كل طفل قادراً على ذلك، وليس كل قرار يستطيع أن يبت فيه طفل!

غياب الوالدين بالذات والإخوة الكبار عن الطفل، جعله يتخذ عائلة جديدة له ويلتزم برأيها، ويرى فيها عالمه الجديد الذي قد يعود بويلات عليه، وعائلته الحقيقية تقوم بدور المتفرج للأسف!

عندما أرى طفولة الصغار الآن، أحمد ربي أني عشت طفولة روحية واجتماعية ذات قيم متعددة، لم تكن فيها «السوشال ميديا» هي المساحة التي ننطلق فيها، بل كان هناك الكتاب والزيارات والرحلات والالتصاق الدائم بالأم، والبحث عن رضاها والتعلم منها من قريب أو من بعيد.

نحن نجرم في حق أطفالنا عندما نمنحهم ما ينشغلون به عنا فننشغل عنهم أكثر، وعندما لا نرى حاجتهم إلينا نشعر أن كل شيء بخير، وهنا نكون رهن مفاجآت قد تكون قاصمة للظهر!

أعيدوا الطفولة للأسرة الحقيقية، وأعيدوا للأسرة براءة الأطفال، ولا تدعوا أسراً افتراضية تأخذهم عنكم، لنتأكد أن لغتهم وفكرهم وتعاملاتهم تمثلنا نحن ومجتمعاتنا أولاً لأنهم امتداد لنا، لكي لا نفاجأ بعضو منا يحيد عن الطريق ويذهب يعيداً عنا فلا نجده!


المقال على موقع صحيفة الحياة