• اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية

    يارب .. وحدك القادر على كشف الضر عنا وعن بلادنا.. وعن كل بقعة في ارضك تضررت بفيروس كورونا

  • الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه..
    بعد ٣ أسابيع قضيتها في أحد مراكز الحجر الصحي التابع لوزارة الصحة ..

أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..

مع الرقيب

2017-06-29

مع الرقيب

غالباً ما أتعاطف مع الطبيب الجراح لأنه يذكرني بالكاتب، فكلاهما مدة صلاحية صوابه ونجاحه في الذاكرة قصيرة المدى سريعة الذبول ما لم تكن براعته المهنية وإنجازاته الطبية متتالية، في الوقت الذي يحتفظ خطؤه بـ«طزاجته» على أرفف الذاكرة لمدة طويلة الأجل وإن قل!

لذلك المثل الشعبي القائل «غلطة الشاطر بعشرة» ينطبق عليهما بقوة، فالغلطة الطبية التي قد تكون يتيمة بين غزارة نجاحات الطبيب الماهر قد توقف نبض إنسان وضع هو وأهله أملهم بمرونة أنامل جراح يحسّن التعامل بديبلوماسية بين المشرط والعضو المتمرد من الجسد، لينهي الخلاف بين الصحة والمرض ويعيد القوة إلى ما اعتل من البدن، فإن أحسن فاز وأضاف إلى رصيده المهني مزيداً من إنجازات، وإن أخفق سقط من علو على أرض صلبة تناثرت فوقها انجازاته السابقة كتناثر الزجاج «الحاد» الذي قد يصيب شريان نجاحاته حد النزف الذي يقضي على سمعته المهنية.

وكذلك الكاتب، فالكاتب هو الطبيب المجازي الذي يتحسس مواطن الألم في مجتمعه ليشخص أسبابها ومن ثم يقدم روشتة علاج ثقافية تعالج الخلل، وفي حالات أصعب مثل الأزمات السياسية أو الاقتصادية أو الآلام الوطنية قد يحتاج فيها المجتمع إلى تدخل سريع من مثقفي الوسط، لتكون أقلامهم مباضع ماهرة تفتح الجراح لتستأصل الورم الذي قد يصيب «جسد الوطن» بسبب الخونة أو الحاقدين أو كل من أراد باطل «زينه» بكلمة أو مطلب حق مسموم.

وكما أن هناك «قَسَماً» طبياً يلزم الطبيب بمراعاة ضميره في عمله، فلابد أن يكون هناك «قَسَمٌ» صحافي يلزم الكاتب بأن يجعل ضميره الوطني والمجتمعي يقظاً لا يغفو أبداً غفوة تمكن خبث الفكر من التسلل إلى عقول قرائه، خصوصاً البسطاء، فتسمم أفكارهم بما يصيبهم باضطراب رؤى وغباش موقف وقصور حاد في التفاعل مع القضايا الكبرى لمصلحة الوطن والمجتمع.

الرقابة الذاتية يجب أن تكون الدليل الذي يقود قلم الكاتب ليعالج العلة ببراعة تجعله لا يخطى في عمله، فيقطع عروق الدين أو الأخلاق أو بجهل غير مقصود أو تجاهل مقصود، لا يراعي حساسية أوضاع وظروف معينة قد تسود البلاد، تمس ظروف وطنه الداخلية والإقليمية والدولية، فالكاتب يجب أن يكون ابن الوطن البار الحريص على بلاده حرصاً يفوق أي إثارة صحافية أو شهرة يصعد إليها من فوق «سور مقالة» أو على سلم من كلمات!

وكما أن الطبيب، مهما بلغت براعته في مهنته، يبقى خاضعاً للرقابة والمراجعة ومجموعة كثيرة من الضوابط التي لا تجعل المريض الذي بين يديه عرضة للخطر أمام أي عارض صحي أو نفسي أو أي سبب طارئ آخر قد يتعرض له الجراح.

فمن المستحسن أن يكون لـ«الكتّاب» أيضاً ضوابط تراقب مدى التزامه بالأمانة الصحافية، يمارسها أصحاب الشأن من رؤساء التحرير أو من ينيبونهم من مشرفي الصفحات أو الرقيب الصحافي الذي قد يقرأ المقالة من منظور أشمل، ينظر فيه بحكم خلفيات معلوماتية يعرفها بحكم عمله قد لا يراها الكاتب فيجيز مقالته أو لا يجيزها بما يتوافق مع مصلحة الوطن، خصوصاً أن حرف الكاتب وكلمته كالبصمة الوراثية قد يأتي من يُسلط عليها الضوء ويحاسب كاتبها حتى لو بعد حين من الدهر ومهما حاول الكاتب تبرير موقفه بإساءة فهم من القارئ في قراءة كلمات خان العبير فيها كاتبها، وهنا لا يفيد عذر ولا ندم بعد فوات الأوان.

كلامي هذا لا يتعارض مع مراعاة القائمين على الصحف سبل ضمان استمراريتها من خلال زيادة مبيعاتها باستقطابها للأسماء اللامعة حتى لو كلفها ذلك عبئاً مادياً ثقيلاً، ومن هذا المبرر فليس من العيب أن تحاول الصحيفة أن تستقطب الشركات الكبرى لتسابق إعلاناتها على مضمار صفحاتها، ولكن من دون أن يمس ذلك صدقية الصحيفة مع قرائها، أو التزامها بتطبيق المعاير الصحافية النقية من دون أي شوائب تعكر نقاء المقاصد خصوصاً الوطنية.

وهنا تذكرت مقابلة لأحد الصحافيين الظرفاء الذي غاب عن ذاكرتي اسمه حول الحرية الصحافية في بلاده إذ قال: «من حق الصحافي أن يكتب ما يشاء ومن حق الدولة أن تسجنه كما تشاء...!»، فهل هذا هو الأنموذج الأمثل للعلاقة بين الإعلام والدولة؟ هل السماح بالفوضى في مقابل العقاب بالسجن ستحلّ مشكلات الأوطان وتقلص محيط الفجوة بينها وبين مواطنيها؟

أليس من الأفضل أن تكون هناك أسس وقواعد يلتزم بها الكتّاب تندرج تحت ميثاق شرف للعمل الإعلامي والصحافي الذي يجب أن يحترمه الجميع؟

الحديث في هذا الموضوع طويل، مختصره أن الوطن في أزماته يحتاج إلى أبنائه في كل المجالات، جنوداً بواسل، كل في مجاله، فالجندي على الحدود يدافع، والمعلم في المدرسة يعزز الحس الوطني عند الطالب، الأسرة والتاجر والواعظ والطبيب والمهندس كل له دور، وعلى الإعلامي يقع الدور الأكبر، فهو «صوت الوطن» الذي يسمعه العالم كله، وهو المنبر الذي ينقل الحدث بتطوراته للمواطن.

لذلك يجب أن تكون وسائل إعلامنا المصدر الأصدق لمعرفة الأحداث وذلك بصدقيتها وأمانتها الصحافية والإعلامية وولائها لوطنها، وعلى الرقيب أن يحرص على تطبيق ذلك التدخل عند أي بوادر فشل أو قصور أو ورم إعلامي خبيث ليستأصل الضرر الأكبر قبل استفحال شره، تماماً كما يتدخل كبير الجراحين لإنقاذ مريض يحتاج إلى تدخله على رغم براعة الطبيب المسؤول.


المقال على موقع صحيفة الحياة