أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..
إصداراتي
نختلف ولكن برقي!
2017-03-15
الاختلاف والاتفاق ممارسة غير جديدة في مجتمعنا، وتزداد وتيرتها مع كل فعالية تقام، وهذا ليس عيباً؛ بل ميزة، إن كان الاختلاف - وليس الخلاف - لا يخرجان بنا من دائرة الأدب الاجتماعي والمجتمعي المألوف. ومع إطلالة كل معرض كتاب يقام عندنا، تبدأ الخلافات التي تعكر صفو الاختلاف الراقي، فمن السهل على الأدباء والمثقفين والدعاة والناشطين أن يكرروا انتقاداتهم السنوية لمن ينِّصب نفسه مدافعاً عن القيم والأخلاق والدين، ويقف في أي محفل جماعي، كمعرض الكتاب في الرياض، لينتقد هذا السلوك أو ذاك، في شكل همجي، غير عابئ بما يتسبب فيه من خسائر لسمعة وطن بأكمله، حين يعتدي على ضيف الشرف، أو على أديب أو كاتبة، وتتناقله وسائل التواصل هنا وهناك، فتكثر الوسوم التي تزيد الفجوة وتفسد هدف الفعالية.. ومن السهل أيضاً أن نطلق التسميات المختلفة على من يقع فريسة لأفكار هدامة، ونعتبره عضواً في «الفئة الضالة»، أو ما يطلق عليه في دول أخرى «أهل الشر».
هذا السلوك الاستعلائي والفوقي من جانب الصفوة الفكرية المثقفة في التعامل مع شرائح لها وجود في المجتمع، أثبت أنه لا يأتي بنتائج إيجابية، صحيح أنه يمكن الاعتماد على قوانين صارمة رادعة، تعاقب هذا المحتسب المزعوم، وذلك الجهادي المزيف، أو ذلك الليبرالي المتحرر، لكن «الحلول السهلة، غالباً ما تكون فاشلة»، فهذه قاعدة أثبتت صحتها في السنوات الأخيرة مرات عدة. ولعل من المفيد أن نتذكر أن الغالبية العظمى من البريطانيين لم تصدق أن فئة من المجتمع ضاقت ذرعاً بالاتحاد الأوروبي، يمكن أن تكون قادرة على إنهاء عضوية بريطانيا في هذا الاتحاد، واستهانت النخبة السياسية والثقافية البريطانية بمشاعر هذه الفئة، فاستغل نخبة سياسية وفكرية واقتصادية غوغائيون هذه الفجوة في المجتمع، ووعدوا البسطاء بأن يعيدوا بريطانيا إلى سالف مجدها، وانتصرت المشاعر على العقل.
وإذا اتفقنا على أن التجاهل ليس هو الحل، وأن القبضة الأمنية تعالج القشرة الخارجية، لكنها لا تتغلغل في أعماق المشكلة، فإن الدرس الأول الذي يمكن استخلاصه من التجارب المحلية والإقليمية والعالمية، هو أن الوطن يتسع للجميع، أي يتحمل الاختلاف في الرأي، بل والتناقض في الرؤى، بشرط أن يكون هناك سقف للتعبير عن هذا الرأي، لا يجوز تجاوزه من أي طرف، فلا يحق لليبرالي أن يستهزأ بالملتزم، ولا يحق لأحد أن يشكك في عقيدة المثقف.
الدرس الثاني هو ضرورة تعلم ثقافة الحوار و«سعة الصدر»، وعندها يمكن لصاحب كل رأي أن يتحدث من دون أن يقاطعه أحد أو يهاجمه، وبعد أن ينتهي عليه أن يستمع إلى الطرف الآخر، ليس من الضروري أن يقتنع أحدهما برأي الآخر، ولا يجوز أن يكون هناك فائز وخاسر، المهم أن يقدرا على الحوار معاً.
الدرس الثالث أنه ليس هناك مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية أو ثالثة، من يحمل هوية هذا الوطن فهو مواطن، سواء أكان من قبيلة عريقة أم جاء أجداده من خارج المملكة قبل قرون واستقروا وحصلوا على جنسيته، مهما كان لون بشرته أو أصوله أو مستواه المادي، فكل مواطن له حق الاحترام بشخصه ورأيه وفكره، ما لم يتعارض ذلك مع المصلحة العامة للجماعة والمجتمع والوطن.
من يستكثر ذلك على بعض الفئات يعطيهم ذريعة اللجوء إلى وسائل غير مقبولة للتعبير عن آرائهم، سواء أكان ذلك في العالم الافتراضي أم في معارض الكتب أم الاحتفالات أم الأنشطة الثقافية.
الإنسان الذي يجد من يستمع إليه ويناقشه في رأيه وينقل إليه الشعور بالاحترام والاهتمام به بصفته إنساناً، لن يلجأ إلى الصراخ أو التظاهر أو لفت الأنظار إليه بأية وسيلة عنف لفظي أو مادي. صحيح أنه لا يمكننا أن نقضي على بعض السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها البعض، ولكن من المؤكد أننا نستطيع أن نقلل منها إلى حد بعيد، وإذا فشلنا، فليس أقل من أن نحظى بشرف المحاولة. معرض الكتاب، وأية احتفالية ثقافية أو ترفيهية، ليس المكان المناسب للتعبير بهذه الصورة عن الاختلاف، لأن عالم الثقافة والترفيه يستوعب كل الآراء، في إطار من التعددية الفكرية والاجتماعية، ويفتح العيون على رؤى مختلفة، ربما كانت غائبة على من يتبنون أحادية الفكر، ودور الصفوة السياسية المثقفة أن تكون أكثر قدرة على استيعاب المخالفين لهم، واستيعابهم ضمن مشروع يحفظ للوطن ثباته واطراده. رأيي خطأ يحتمل الصواب، ورأيك صواب يحتمل الخطأ، وكلنا بشر مصيبون ومخطئون، فلنختلف برقي ونجتمع على محبة ووئام بوطنية وسلام.