• اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية

    يارب .. وحدك القادر على كشف الضر عنا وعن بلادنا.. وعن كل بقعة في ارضك تضررت بفيروس كورونا

  • الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه..
    بعد ٣ أسابيع قضيتها في أحد مراكز الحجر الصحي التابع لوزارة الصحة ..

أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..

المتغيرات حولنا

2017-03-01

المتغيرات حولنا

مما لا شك فيه أن الزمن الذي نعيشه الآن هو عصر تقلبات وتذبذبات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية ومناخية في كل أنماط دعائم الحياة على الأرض، إلى درجة أن ذلك طاول تراكيب التكوين البشري بخصائصه النفسية والجسمانية، إذ نالها من بعض التغير النفسي والفسيولوجي جانب تأثر بموجة التغير العام، ومما لا شك فيه أيضاً أن هذه التغيرات ما هي إلا دورة طبيعية للحياة يدور بها كل شيء بعكسية تحدث فوضى تعصف بكل شيء لحكمة أرادها الله.. ألا وهي تجديد أشياء كثيرة أصبحت في حاجة إلى تغير، ثم لا تلبث الحال أن تستقر ويعود النظام والاستقرار لكل شيء من جديد، إلى أن يشاء ربنا فيأمر بتقلبات جديدة تحدث تغيرات تصلح للزمان الذي ثارت فيه، لتحقق المرونة التي تحتاج إليها أنماط الحياة المختلفة، لتستمر الحياة على الأرض وتستمر صلاحيتها لتكون كوكباً صالحاً لاحتواء مخلوقات الله التي قُدر لها أن تعيش عليها.

لو تأملنا في تاريخ البشرية منذ بداية الخلق، لوجدنا أن ما نحن فيه الآن ما هو إلا مشهد «معصرن» من ملاحم تاريخية سابقة.. ففي كل حقبة من الزمن وكل عصر من العصور لنا مع الأحداث السياسية بسلمها أو دمويتها وقفة تخبرنا بأن لكل زمان من الأزمنة دولاً ورجالاً، وأن الحروب والفتن ليست مستحدثة، وأن جرائم المعتدين وظلم السياسيين يقابلهما حكمة كثير من القادة وحزم صلاح الملوك، وأن استعمار دول وتحرر أخرى عرف سياسي قديم، غالباً ما يكون البقاء فيه للأقوى الأصلح إلى أن يشاء الله، ومن جانب آخر لنا مع التقلبات الاجتماعية مساحة تأمل كبيرة تسلط نظر كل ذي حكمة ثاقبة تجاه التقلبات الاجتماعية، بموروثاتها وعاداتها وتقاليدها وأنماطها المختلفة، بصراعات الأجيال فيها بين نمطية الكبار وتقليديتهم واندفاع الشباب وشغفهم بابتكار الجديد، الذي غالباً ما ينتصر فيه جيل صاعد، فتتغير أنماط اجتماعية سائدة بعاداتها وتقاليدها وأفكارها وابتكاراتها، ولأن دورة الحياة تستمر فإن هذا الجيل المتقد شباباً وحماسة لا يلبث أن يخضع لدوران الزمن فيضعف ويصبح هو جيل الكبار بكلاسيكية تفكير يقابله رفض من جيل جديد.. وهكذا!

في دوامة التغير لا بد أن يكون لنا مع المال والاقتصاد وقفة، فعبر العصور اغتنت مجتمعات فقيرة، وفي المقابل أصبحت مجتمعات ذات وجاهة تمشي بتعثر فوق خط الفقر، وتبدلت مصادر الثروات في العالم من زراعية إلى صناعية، وبعد أن كان الازدهار الاقتصادي مرتبطاً بالتجارة والنماء الزراعي أصبح العالم يعتمد على النفط ومشتقاته، وأصبحت الدول النفطية والدول الصناعية هي من يتحكم باقتصاد العالم.

كل هذا أثّر بالطبع في التركيبة النفسية والجسدية للإنسان، فمع التطورات والتغيرات الكثيرة أصبح البشر أقل صبراً وأكثر عنفاً، وطغت المادة على العاطفة وأصبح الجسد أكثر عرضة للانهزام أمام المرض، على رغم تقدم الطب، وهذه معادلة غريبة جداً!

وأنا أتأمل التغير الكوني الحياتي الشامل تذكرت جملة قالتها لنا معلمة الجغرافيا ونحن في المرحلة المتوسطة، إذ أخبرتنا أن الإنسان لو مشى عبر الكرة الأرضية بخط مستقيم فهو حتماً سيعود إلى نقطة البداية التي انطلق منها، لأن الأرض خلقها الله كروية وليست مستقيمة!

وهكذا هي الدنيا؛ قوة وضعف... علو وهبوط... سلم وحرب... علم وجهل... تقدم وتأخر... شباب وكبر... موت وحياة، وهلم جراً إلى مالا نهاية، أي أننا نبدأ من شيء ثم نتجاوزه ولا نلبث أن نعود إليه.

فهل أدركنا الحكمة من ذلك وتعاملنا مع حياتنا على أساسها؟! ومع كل هذه التذبذبات العالمية، التي من الطبيعي أن يطاولنا جانب من حمى تبدلها، يتبادر إلى ذهني سؤال:

كيف نقوم تعاملنا معها، بصفتنا بشراً منحنا الله من بين كل مخلوقاته عقلاً يفكر من أجل أن يستوعب ويتكيف، ليسهم بمدركاته التي جعلها الله قابله للتطوير والارتقاء، ليقود سفينة التغير فوق طوفان التبدل بأقل أضرار يمكن أن تحدث؟!

فهل أدركنا هذه الحكمة وتعاملنا مع هذه الاضطرابات بمرونة تجعلنا نمسك بطوق نجاة ننتشل فيه أنفسنا من الغرق وسط دوامتها، وننقذ معنا من لا يجيد السباحة وسط محيطات الحياة وركوب أمواجها العالية؟ وهل حرصنا على نزع رداء التشاؤم واليأس والخوف ممن يعاني منه، وأبعدنا عن أعيننا نظارة السوداوية القاتمة لنرى الدنيا بألوانها الطبيعية الزاهية وجمالها الذي خلقها الله عليه، ونتقبل بمرونة كل ما يساعدنا في تجاوز الصعب لنذوق حلو صفوها؟

سؤال مهم جداً، لنسأله لأنفسنا كلما ظهر على سطح روتين الحياة والظروف حدث قلب موازين القناعات أو القوانين أو الموروثات لنتأكد من سلامة فطرة التغير الطبيعية فينا وأنها ما زالت فعالة في الإسهام بدور فعال في منظومة التغير الكونية! ولنتذكر أن التغير استعداد طبيعي في التركيبة البشرية، جعله الله من سمات الإنسان، ليجعل من تقبله المتغيرات المختلفة مرونة تدور باتجاه دوران الكون والأزمان لا عكسها.. وما دمنا داخل دائرة ما يرضى عنه الله فليتنا نحافظ على فطرة التبدل السليمة ولا نفسدها بالقتال من أجل أفكار أو معتقدات لم تعد صالحة لزماننا أو مكاننا.


المقال على موقع صحيفة الحياة