أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..
إصداراتي
كنوز مبتعثة
2017-03-01
أشياء بسيطة تحدث في أثناء تفاصيل يومنا تلفت أنظارنا إلى إنجازات مذهلة تحدث من فئة غالية علينا في مجتمعنا، هم شبابنا الذين نكتشف أنهم يحملون في قلوبهم حباً عميقاً للوطن، وقدرة فردية جبارة على صناعة المختلف والمبهر بأدوات بسيطة تنم عن قدرة ووعي وانتماء لهذا الكيان.
قبل فترة اتصل بي مبتعث في دولة أوروبية ليخبرني أنه أصدر كتاباً يفند فيه كل الأحكام النمطية عن المملكة، ألّفه ونشره على نفقته الخاصة، لأنه يريد أن يرد الجميل لوطنه، وقال: «إن ردود فعل زملائه ومعارفه من الأوروبيين كانت مدهشة، لأنهم وجدوا أخيراً من يكلمهم بمنطقهم ولغتهم، وأعربوا له عن امتنانهم لأن هناك من كشف لهم زيف الصور النمطية التي تتكرر في كل مقالة غربية عن المملكة». أكبرت فيه حماسته ودافعيته وحرصه على رد الجميل لوطن راهن عليه ومنحه فرصة ليتعلم، فسألته عن سبب اقتطاعه من وقته وماله للقيام بهذا العمل، فقال: «لا أخجل أن أخبرك أنني شعرت بالغيرة من الطلاب اليهود، ما إن تنشر صحيفة أو مجلة أو حتى موقع إلكتروني أي تقرير يتناول السياسة الإسرائيلية بطريقة سلبية، إذا بهم يردون فوراً»، وأوضح المبتعث أنه جمع تعليقاتهم فوجدها تراعي أن تكون موضوعية، بعيدة عن التهجم على كاتب المقالة أو الوسيلة الإعلامية التي نشرته، وتركز على تفنيد ما ورد فيها بمنطق وعقل ولغة تعرف ماذا يريد المتلقي فتقدمها له.
وأضاف، الأهم من ذلك أنهم يعرفون كيف يكررون كل مرة الحجج نفسها حتى ترسخ في أذهان القراء وتبدو كما لو كانت حقيقية، علاوة على ذلك فإن توزّع اليهود على مختلف دول العالم جعلهم يتقنون الكثير من اللغات الأجنبية، ويستخدمون هذه المهارة اللغوية في الدفاع عن قضية يؤمنون بها، لذلك، وجدت أنه من الأولى أن أقوم أنا وكثير من زملائي المبتعثين السعوديين في مختلف دول العالم كل بحسب طريقته ومجهوده، بالدفاع عن وطننا وصورته المشرقة أمام الرأي الغربي بالذات، نريد أن يرانا العالم على حقيقتنا الصادقة وليست المزيفة، وطالما أننا كمبتعثين اكتسبنا خلال سنوات الابتعاث اللغة وتعرفنا على ثقافة النقاش في هذه الدول، فيمكننا أن نقوم بدور مساند لما تقوم به السفارات من جهد في ذلك، علاوة على أن ما نكتبه كأشخاص عاديين، يكون له صدقية عالية، لأننا لا نفعل ذلك كوظيفة أو بتكليف من أحد، بل بدافع شخصي بحت.
بعد أن أنهيت الحديث مع هذا الشاب المتوقد حماسةً وحباً لوطنه، تذكرت حملات التشكيك التي قادها البعض في البداية على خطط الابتعاث الخارجي، وتركيزهم على سلبيات بعينها، أظهرت الأيام والسنوات أنها ليست القاعدة بل الاستثناء، بل إنها تعتبر من أفضل ما حدث في بلادنا كمشاريع تنموية إثرائية خلال العقدين الماضيين، وأنه يجب أن نحسن الظن في أبنائنا وبناتنا ونزداد إيماناً بهم، لأنهم يحملون في قلوبهم حب الوطن، ويتمتعون بسعة أفق وفكر مبدع، رأيناه في الكثير من المبادرات التي قام بها المبتعثون في مختلف دول العالم من أسابيع ثقافية سعودية في جامعاتهم، حظيت بعضها باهتمام كبار مسؤولي الدولة، مثل حضور رؤساء وملوك لعدد من الدول الأوروبية لمثل هذا النشاط السعودي. وقبل أن أنتهي من التفكير في شبابنا الذين يظلمهم البعض بهضم ما يستحقون من تقدير، تذكرت ما قالته لي مبتعثة أعجبتها فكرة يقوم بها فريق من المتطوعين الأوروبيين، من خلال إعلانهم محاربة الكراهية في الإنترنت، ولذلك فإنهم يتابعون المواقع التي تحظى بالإقبال من الشباب، فإذا وجدوها تروج للكراهية ضد أي فئة من الناس، سواءً أكان الأمر يتعلق بأتباع دين أم آيديولوجية أم الذين يعانون من إعاقة أم المهاجرين، فإنهم يخاطبون المشرف على الموقع، مطالبين إياه بإزالة هذه التعليقات، وإذا لم يحدث ذلك، فإنهم يطالبون بإغلاق الموقع قانونياً عبر الإجراءات الرسمية. وقالت الشابة السعودية إنها تشعر أن الابتعاث لم يكن بهدف الحصول على الشهادة فقط، بل إن من أهدافه أيضاً اكتساب الجانب الإيجابي في الثقافة الغربية لنقله إلى بلادنا، وعلى رأسها ثقافة العمل التطوعي، وذلك بأن يخصص كل إنسان جزءاً من حياته لخدمة مجتمعه، ولا ينتظر دوماً أن يفكر له أحد ويرشده إلى ما يمكنه أن يقوم به. ما يحزنني أنَّ قوافل المبتعثين العائدة لنا ما تزال تجد الأبواب مغلقة دونها، لكن ما يفرحني أنهم تسلقوا الأسوار وكسروا تلك الأقفال وصنعوا لأنفسهم واقعاً فرح به المجتمع وآزرهم عليه. كلما سمعت ورأيت شبابنا وهم يبدعون ازددت يقيناً أن الجيل الجديد يستحق أن نعطيه كل ثقتنا ودعمنا ونغض الطرف عن قناعاتنا القديمة تجاههم، لأنه هو الرهان الحقيقي الذي يبشر بغدٍ أفضل.