• اللهم اجعل لنا من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية

    يارب .. وحدك القادر على كشف الضر عنا وعن بلادنا.. وعن كل بقعة في ارضك تضررت بفيروس كورونا

  • الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه..
    بعد ٣ أسابيع قضيتها في أحد مراكز الحجر الصحي التابع لوزارة الصحة ..

أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..

قنابل خطرة

2016-12-07

تعاني كثير من الأمهات من نفور أبنائهن الشديد من المدرسة، لدرجة تصل إلى الكره الذي يتخطى حاجز النفور الاعتيادي الذي يشعر به كل طالب نتيجة ثقل المواد الدراسية والتزامات الواجبات المنزلية، إلا أنه لا يشكل أية مشكلة تستوجب البحث عن حلول سريعة وعميقة، وهنا لا مشكلة.
المشكلة الكبرى في ذلك الحاجز الصلب العالي، الذي يتكون أمام الطالب من خلال ما يتعرّض له من سخرية وترهيب وتخويف واعتداء لفظي أو بدني أو نفسي مرة تلو الأخرى من قبل أقرانه من باب الجد قصداً، أو الهزل المراد به فرض سلطة بلطجية مبطنة، تجعل للطالب القوي كلمة مسموعة وهيبة مفروضة في الفصل، تتطور لتكون في المدرسة ككل.
فرض السلطة الطلابية الجبرية في المحيط المدرسي، ومعاقبة كل من يتمرد عليها تسمى بـ«التنمر»، وهي ظاهرة سلوكية خطرة، لها أبعاد أخطر بكثير من معتقد أنها فترة طيش تمسك بأطراف ثوب مراهقة عابرة لا تلبث أن تفلته متى ما اتسعت خطوات الزمن لتتجاوز مرحلة المراهقة إلى النضج. فهناك فرق شاسع بين اختلافات وشجار عادي يقع بين طرفين متساويين في القوة، يستطيع كل طرف فيه الرد على الآخر نتيجة موقف عابر، وبين فرض سلطة بالقوة على أطراف غير متساوية بشكل مستمر، ليس له مسبب عرضي أو موقف ولّد رد فعل عابراً، وهنا الفرق بين تهور المراهقة وصِداماتها الموقتة وبين التنمر الذي يتأصل في سلوكيات الطالب، حتى يصبح في ما بعد دفة السلوك التي توجه من قبل مافيا غسل العقول إلى أعمال العنف والممارسات الإرهابية والإجرامية التي تضر بالدولة والمواطن في ما بعد، فلو نظرنا إلى ظاهرة التنمر بمجهر يكبر حجم مكونات هذا السلوك التي تستتر خلف ظاهره، لوجدنا أن التنمر هو بذور لخلايا إجرامية ناشئة لم يُلتفت إلى خطرها، فنبتت لتكون أشواكاً تخريبية مستقبلية تجرح أمن المجتمع وتربك جهاز مناعته الأمني.
فالتنمر لا يختص بشخص، إنما هو يضم تحت دثار خطره ست مجموعات، أولها الطالب المتنمر المعتدي، وثانيها مساعدوه الفعالون المشاركون عن اقتناع في الاعتداء، الطرف الثالث يشمل المؤيدين خوفاً وليس قناعة حتى لا يصبحوا هم الضحية القادمة، مما يجعلهم لا يقومون بأية خطوة تعارض تلك السلوكيات المؤذية، ثم تأتي الأطراف الرابعة مشابهة للثالثة، ولكن أخلاقياتهم المتينة تمنعهم أن يكونوا مؤيدين، ولكن خوفهم من أن يصبحوا ضحية جعلهم يمارسون دور المتفرج السلبي الذي لا يقوم بأية خطوة معارضة توقف الاعتداء أو تستنكره، الأطراف الخامسة تضم الطلاب الذين يشعرون بخطأ ما يحدث فيحاولون وقف الاعتداء ولكن على استحياء يفرضه عليهم ضعفهم أمام المتنمرين، أما الطرف السادس فهو المعتدى عليه، الذي يتعرض للإهانة والإذلال والمعاملة السيئة، لتصله رسالة واضحة أنه غير مرغوب فيه، وأنه لن ينعم بالهدوء، ولن يكون موضع قبول مهما فعل، لأسباب قد تكون متعلقة بالغيرة من تفوق هذا الطالب، أو لاختلافات عنصرية تتعلق باللون أو الجنس، أو تفاوت في المستوى الاجتماعي.
إلى الآن والأمر قد يكون أقرب إلى الوضع الطبيعي في عرف المشكلات المدرسية، ولكن المؤسف وغير الطبيعي أن المعلم غالباً لا يرى ذلك، لحيل كثيرة يمارسها المتنمرون تخدع المعلم بمبررات منطقية تجعله في صفهم، أو ترهبه خوفاً من أذاهم إذا كان معلماً ذا شخصية ضعيفة، فيتغاضى ليأمن شرهم، فيصبح كل ما يقوم به هو أن يحاول التخفيف من حدة التنمر. ولكن الأدهى والأَمَر هو أسرة المتنمر، الذين يجد كثير منهم في ما يقصه عليهم أبناؤهم من قصص أفعالهم بالضحية على سبيل المزاح أمراً مسلياً، فلا يتخيلون أن أطفالهم أبرياء البيت كائنات متحولة تتلون بألف شكل وشكل بحسب البيئة المحيطة والانفعال المسيطر، وهذا ما يعطي المتنمر قوة مضاعفة.
فما الحل إذاً؟
من أكبر الأخطاء الممارسة للحد من هذا السلوك معاقبة المتنمر، سواءً من خلال المدرسة أم باستخدام قوة الأسرة وأولياء الأمور، فهذا التصرف تأثيره موقت، وحتماً سيزيد الأمر سوءاً، لأن هدنة المتنمرين مجرد كسب وقت لوضع خطط أقوى للانتقام، لذا يشدد العلماء على إيجابية مناقشة الأمر في الصف بشكل عام، من دون توجيه اتهامات مباشرة، وربما تكون من الأساليب الناجحة لعلاج هذا السلوك اختراع الحكايات والمواقف بطريقة معينة تتناول الظاهرة، وإشراك الطلاب في حلها، والحرص على جعل المتنمر هو الضحية ليشعر بآلام العنف، في الوقت الذي نبعد الضحية تماماً عن جعله المغلوب على أمره واقعاً وخيالاً.  لو نظرنا بشكل أعمق إلى ما خلف كل مجرم أو إرهابي أو مخرّب، لوجدنا أنه لم يصبح بهذا العنف بين طرفة عين وانتباهتها، هناك خلل لم يعالج من الصغر، إما كمتنمر لم يقوّم سلوكه، أو ضحية سكتت عن الظلم ضعفاً في طفولتها وعندما اشتد عودها بطشت انتقاماً، لذلك لنضع سلوكيات أطفالنا في منازلنا ومدارسنا تحت مجهر الملاحظة والحلول السليمة، حتى نجنِّب مجتمعاتنا خطر قنابل العنف السلوكي المدمر مستقبلاً.


المقال على موقع صحيفة الحياة