أكتب لأُغير وأتغير..أبحث عن المختلف والأفضل.. أم قبل كل شيء.. وسيدة أعمال رغم كل شيء..وناشطة أجتماعية بعد كل شيء.. ممتنة لعائلتي.. وفخورة بمن حولي من أصدقاء..
إصداراتي
ليسوا مثلنا
2018-09-27
نأتي إلى الدنيا أطفالاً بلا حول ولا قوة، فنجد من يعتني ويترفق بنا ويعلمنا الحياة، نجد ذلك في والدين وأهل، ونجده في جيران وأصدقاء، أو قد نصافحه من معلم أو مدرسة، كلٌ يقدم لنا شيئا، وكلٌ لنا معه تجربة، لنا حقوق وواجبات لا بد أن تقدم لنا حتى يشتد عودنا ونستوعب طبيعة الحياة وما لنا وما علينا فيها، لنبدأ في صناعة مكون خاص بنا، بناء على ما تشربناه من تربية وتعليم ومواقف وفكر مجتمعي، ليكون هو التنشئة الاجتماعية التي تسهم إلى حد كبير في تحديد البنية الأساسية التي تبنى عليها شخصياتنا.
منظومة الحياة يحكمها حق وواجب، ويحيط بها مسؤوليات واهتمامات لا بد منها كي تستقيم الحياة.
ونحن صغار، السمع والطاعة هما الواجب علينا، وتنفيذ ما يريدون حتى لو لم نرض مقابل حقوق الرعاية والتعليم والاهتمام الذي يقدم لنا حبا وخوفا علينا حتى لا نطحن في مطاحن الحياة الخطرة، ولكن بعد أن نكبر قليلاً ونتعلم دهاليز الحياة، نبدأ ببناء ناطحات سحاب أحلامنا العالية، وعندها يصبح لنا حق السؤال وحق المشاركة في القرار، قد لا يستجاب لأمرنا، لكن لا بد من مساحة نعلن فيها عن أنفسنا، ونقدم فيها ما نريد ونتمنى وما نقتنع به وما لا نرضى به.
وهنا تأتي المرحلة الأصعب، والتي تكثر فيها اختلافات زاويا الرؤى للحقوق والواجبات، بين إصرار الأهل على التمسك بحق السمع والطاعة من الأبناء من دون نقاش أو خروج عن طوع الوالدين خوفاً عليهم من زمن -بنظرهم- مرعب وطفولة خبرة قد تخونهم في مواجهة الحياة، وبين صغار مرّ قطار الزمن بين حقول طفولتهم فتعلقوا به لينطلقوا إلى عالم الكبار، يحركهم الشغف بحياة تبهرهم فيها استقلالية الرأي وخصوصية الأهداف، ورغبة في حصد محصول وفير من خبرات الحياة من دون خوف من أشواك قد تعلق بأقدامهم المنطلقة للحياة.
مواجهة الحياة وحصار الأهل تختلف بين الشاب والفتاة، فالمعاناة واحدة، وإن كان الحصار على الأنثى والعيب والخوف يحيط بها أكثر، فيأتي الصراع هنا أشد، ونبدأ في الحلول المظلمة، والسبب كونها فتاة!
إلى هنا وأسوار الأهل تبقى مقبولة، ولكن ليس من حقنا كأولياء أمور أن نستمر بممارسة السلطة والتحكم المبالغ فيه متى ما وصل الأبناء إلى سن يجب أن يواجهوا فيها الحياة باستقلالية أهداف وأحلام ومنهج، ونحن عبء ثقة بثمار ما زرعنا في داخلهم من قيم، وما أودع الله فيهم من هداية وبصيرة لنتعامل معهم وفق منظور السوق أحيانا، من باب الربح والخسارة! نتعامل معهم وفق حقهم الشرعي الواجب من دون الخوض في موروث يلزمهم شيئاً لم يقتنعوا به ولا يرى فيه واجباً عليهم تجاه أحد.
ما نزال في مجتمعنا نركن خلف نصوص شرعية من دون البحث في ما وراءها، فنقدم طاعة الأب على كل شيء، حتى وإن ظلم وطغى وجحد وأنكر، وكأن كل شيء يغفر له، وأولاده لا بد لهم من صبر واحتساب حتى الممات.
قد أتلمس للأم العذر في تعب الحمل والولادة، وأرى فيها سبباً يلزم الأبناء تجاوز بعض التقصير على ألا يصل إلى حد التحكم، لكن لا أرى مبرراً لأن يهلك الابن والابنة بسبب ظلم أب بحجة أنه أب فقط، فيحل له ما لا يحل لأحد على رغم أنه لا يمنح أبناءه شيئاً من حقوقهم عليه من نفقة أو تربية أو رعاية.
نحن نعيش زمناً مختلفاً، زمناً ليس كزمن عشناه من قبل، نخاف من دون أن نفكر، ونفعل من دون أن نسأل، ونرضى بالقليل ونراه الكثير. نبحث عن الآخرة ولو على حساب ضياع دنيانا، لكي لا نخرج من الدنيا وهو غاضب عنا، جيل بأكمله تاه هنا وضاعت منه الفرص بسبب الخوف من المجهول والركون لنصوص لا يسمح لنا بقراءتها من جهة أخرى!
رأينا كيف يسمح للأب أن يرفع قضية عقوق تجاه أولاده، ولا يسمح للأبناء بشكوى ظلم تجاهه، ومن يتأمل هنا يجد شيئاً لا يقتنع به عقل، فكيف للكبير أن يشتكي الصغير هنا، ومن ينتصر للصغير إن ظلم ممن يحمل اسمه العمر كله! لا بد من قراءة جديدة لواقعنا، ولا بد من طاولة حوار تجمعنا، نتحدث فيها أن كونك أبا أو أما فلا بد من ثمن وتضحيات تقدم لأجل أن يصبح الابن طوعهما وتحت أعينهما، ولا يجب أن نلوم من حرم أن قصر واكتفى بأوجب الواجب، فالحياة الآن صعبة ولا تحتاج لتضحيات بلا ثمن، والله وحده أعلم بمن اجتهد وقام بحقوقه، ممن فرط وتنازل عن مسؤولياته، فينتظره حينها هوان بالدنيا وعذاب بالآخرة!